خاص.. التقارب الإقليمي.. سياسات عربية ترسم هندسة جديدة لإعادة تشكيل المنطقة
سلكت الدول العربية منذ مطلع 2023 مسارًا مغايرًا عما انتهجته على مدار العقود الماضية، في علاقاتها مع دول الجوار، وعلى رأس هذه الدول مصر والسعودية، حيث تم اتخاذ العديد من الخطوات التي تساهم في إعادة تشكيل المنطقة بأسرها، وذلك عن طريق استعادة العلاقات مع دول إقليمية مؤثرة مثل إيران وتركيا، فضلًا عن استعادة سوريا لمقعدها في جامعة الدول العربية.
وكشف عدد من الخبراء السياسيين أن هناك معادلات عالمية وإقليمية كبرى تتم، وما تقوم به الدول العربية هي محاولة لأن تكون لاعبًا فاعلًا في هذه المعادلات، ومن أجل رسم هندسة إقليمية جديدة، تقوم على التعاون مع دول الجوار.
وفي هذا السياق، أكد السفير محمد العرابي، وزير الخارجية الأسبق، أن ما يحدث على المستوى الإقليمي بالمنطقة العربية من تقارب بين دول الجوار هي خطوات جيدة وتساهم في عودة الاستقرار للمنطقة العربية.
وأضاف العرابي في تصريحات خاصة لـ"مصر الآن"، أن التقارب المصري التركي – والتقارب السعودي الإيراني هي خطوات جيدة ترسم هندسة جديدة للإقليم، منوهًا أن هذه الدول هي دول مؤثرة في الإقليم وعلى المستوى العالمي.
وشدد وزير الخارجية الأسبق، على ضرورة أن يكون هناك نتائج ملموسة وممارسات واقعية على الأرض، لافتًا إلى أن البدايات جيدة، ولكن الأهم والذي ينتظره الجميع هو النتائج الإيجابية لهذه التحركات.
وعن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، أكد السفير محمد العرابي، أن العودة للحضن العربي خطوة مبشرة ويجب أن يتم استغلالها أمثل استغلال، موضحًا أن الوضع الداخلي السوري به العديد من المشكلات، ويجب أن يتم التحرك الوري من أجل حل المشاكل السورية، وتقليص التواجد الأجنبي داخل البلاد، سواء الميليشيات أو الجيوش الأجنبية، من أجل البدء في جني ثمار الانفتاح الذي يحدث في العالم العربي والعودة إلى الاستقرار الداخلي.
من جانبه، قال الدكتور طارق فهمي، إن هناك معادلات كبرى يتم تشكيلها في الإقليم حاليًا، وبعد استعادة العلاقات المصرية التركية والعلاقات السعودية الإيرانية، أصبحنا أمام محاولات جادة لتشكيل قوى إقليمية تسعى الدول العربية خلالها إلى الدخول في المعادلات التي يتم تشكيلها عالميًا.
وأكد فهمي في تصريحاته لـ"مصر الآن"، أن اللقاءات التي تمت على مستوى هذه الدول، لم تكن مجرد لقاءات شكلية أو من أجل تحسين الصورة، ولكنها محاولات جادة من أجل إنهاء حالة الانقسام في الإقليم وإعادة رسم المنطقة بكل ما فيها بشكل دقيق.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية، أن عودة سوريا إلى حضن الدول العربية واستعادة مقعدها بجامعة الدول العربية، خطوة من خطوات عدة تتخذها الدول العربية، من أجل توحيد القوى الإقليمية، وذلك على الرغم من المشكلات التي تعاني منها سوريا، إلا أن هناك نية للتغيير وتحسين الأوضاع، وذلك بعد مرور حوالي 12 عامًا على الثورة السورية، ولم يحدث أي تغيير داخليًا.
وأضاف فهمي، أن الدول العربية قطعت شوطًا كبيرًا في علاقاتها مع دول مثل روسيا والصين، كبديل للاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية، مؤكدًا أن مصر والسعودية قامتا بخطوات إيجابية كبيرة في هذا الطريق من ضمن سياساتهما للانفتاح على دول العالم، والدخول في المعادلات العالمية التي يتم تشكيلها.
على صعيد متصل، أكد الدكتور أحمد يوسف، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن قرار عودة سوريا لجامعة الدول العربية تأخر كثيرًا، مشيرًا إلى أن ما حدث نتيجة متوقعة خاصة أن هناك تغيرات في المواقف العربية تجاه سوريا وعودتها للجامعة العربية.
وأضاف يوسف في تصريحات خاصة لـ"مصر الآن"، أنه كان هناك توافق عربي عام على عودة سوريا لمقعدها بجامعة الدول العربية، عدا موقف المغرب وقطر، لافتًا إلى أن أسباب استبعاد سوريا والتي تتعلق في علاقة النظام السوري بالمعارضة أو علاقته بإيران قد انتهت وتآكلت، خاصة أن هناك انفتاح عربي على إيران، بالإضافة إلى أن النظام السوري ليس النظام الوحيد الذي توجد لديه مشكلات متعددة.
وتابع أستاذ العلوم السياسية، أن إبعاد سوريا عن الجامعة العربية، لم يساعد في حل مشاكلها أو يحسن الأوضاع الداخلية لدمشق، منوهًا أن الوضع الداخلي أصبح كما هو بدون حل.
وحول وجود دول أعضاء داخل جامعة الدول العربية، ترفض عودة سوريا لمقعدها، أكد الدكتور أحمد يوسف، أن الميثاق ينص على ضرورة توافق الدول الأعضاء، وفي حالة عدم التوافق يؤجل للدورة المقبلة ويتم التصويت بالثلث والثلثين، مشددًا على أنه ليس من المنطقي أو المقبول أن تصادر دولة أو دولتان على إرادة 20 دولة.
وأوضح، أن المواقف العربية منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، اكتسبت زخمًا واضحًا واستقلالية تامة في قراراتها ومواقفها، وكانت عقلانية جدًا في ظل الأحداث الدولية المتعددة والمتغيرة، مشيرًا إلى أن هناك دور إيجابي متزايد تلعبه الدول العربية في الشأن الدولي، واتخاذ القرارات بما يحقق مصالحها وألا تكون تابعة لمصالح أي قوة دولية، وما يساعدها في ذلك هو ظهور قوى دولية جديدة تنافس الولايات المتحدة الأمريكية، مثلما كان قبل تفكك الاتحاد السوفيتي قديمًا.